الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من لطائف وفوائد المفسرين: من لطائف القشيري في الآية:قال عليه الرحمة:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)}الاستغاثة على حسب شهود الفاقة وعدم المنة والطاقة. والتحقق بانفراد الحق بالقدرة على إزالة الشكاة تيسيرٌ للمسئول وتحقيق للمأمول. فإذا صدقت الاستغاثة بتَعَجُّل الإجابة حَصُلَتْ الآمالُ وقُضِيَتْ الحاجة.. بذلك جَرَتْ سُنَّتُه الكريمة. اهـ..تفسير الآية رقم (10): قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)}.مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ولما كانت نصرة المسلمين في هذه الغزوة ظاهرة جدًا، قال: {وما جعله الله} اي الإمداد والوعد به على ما له سبحانه من العظمة التي من راقبها لم يهب شيئًا {إلا بشرى} أي لتستبشر به نفوسكم، ولم يحتج إلى تقييد بأن يقال: لكم، وأما في قصة أحد فقد كان المقتول منهم أكثر من المقتول من الكفار فلولا قوله لكم لربما طرق بعض الأوهام حين سماع أول الكلام أن الإمداد بشرى للكفار.ولما كان الذي وقع الحكم به هنا على الإمداد أنه بشرى نفسه من غير قيد، علم أن العناية به أشد، فكان المحكوم به الطمأنينة كذلك، فكان أصل الكلام: إلا بشرى هو وطمأنينة هو، فلذلك وجب تقديم ضميره في قوله به على القلوب تأكيدًا لأمره وتفخيمًا لشأنه، وإشارة إلى إتمامه على عادة العرب في تقديم ماهم به أعنى وهو عندهم أهم فقال: {ولتطمئن} أي وطمأنينة لتطمئن {به} أي وحده من غير نظر إلى شيء من قوتكم ولا غيرها {قلوبكم} فالآية من الاحتباك، وأما في قصة أحد فلما قيدت البشرى بالإمداد بلكم لما تقدم، علم الطمأنينة كذلك، فكان الأنسب تأخير ضميره وتقديم القلوب الملابسة لضميرهم موازنة لقوله لكم.ولما كان ذلك مفهمًا أن النصر ليس إلا بيده وأن شيئًا من الإمداد أو غيره لا يوجب النصر بذاته، صرح به في قوله: {وما النصر} أي حاصلًا وموجودًا بالملائكة وغيرهم من الأسباب {إلا من عند الله} أي لأن له وحده صفات الكمال، فما عنده ليس منحصرًا في الإمداد بالملائكة فالنصر وإن كان بها فليس من عندها، فلا تعتمدوا على وجودها ولا تهنوا بفقدها اعتمادًا عليه سبحانه خاصة، فإن ما عنده من الأسباب لا يحيط به علمًا، هذا إذا أراد النصر بالأسباب، وإن أراد بغير ذلك فعل فكان التعبير بعند لإفهام ذلك.ولما كانت هذه الغزوة في أول الأمر، وكانوا بعد بروز الوعد الصادق لهم بإحدى الطائفتين كارهين للقاء ذات الشوكة جدًا، ثم وقع لهم ما وقع من النصر، كان المقام مقتضيًا لإثبات عزة الله وحكمته على سبيل التأكيد إعلامًا بأن صفات الكمال ثابتة له دائمًا، فهو ينصر من صبر واتقى بعزته، ويحكم أمره على أتم وجه بحكمته، هذا فعله دائمًا كما فعل في هذه الغزوة فلذلك قال معللًا لما قبله مؤكدًا: {إن الله} أي الملك الأعظم {عزيز} أي هو في غاية الامتناع والقهر لمن يريد قهره أزلًا وأبد.لا يغلب ولا يحوج وليه إلى زيادة العدد ولا نفاسة العدد {حكيم} أي إذا قضى أمرًا كان في غاية الإتقان والإحكام، فلا يستطيع أحد نقص شيء منه، هذا له دائمًا، فهو يفعل في نصركم هكذا مهما استأنستم إلى بشراه ولم تنظروا إلى قوتكم ولا غيرها مما سواه فلا تقلقوا إذا أمركم بالهجوم على البأس ولو كان فيه لقاء جميع الناس.ولما أكد هنا، لم يحتج إلى إعادة تأكيده في آل عمران فقيل {العزيز الحكيم} [آل عمران: 126] أي الذي أخبركم عن عزته وحكمته في غزوة بدر بما يليق بذلك المقام من التأكيد، وأخبركم أنكم إن فاديتم الأسرى قتل منها في العام المقبل مثل عددهم، فوقوع الأمر على ما قال مغن عن التأكيد، ولم يكن أحد من المسلمين في أحد مترددًا في اللقاء ولا هائبًا له الإ ما وقع من الهم بالفشل من الطائفتين والعصمة منه في الحال، وقد مضى في آل عمران لهذا مزيد بيان. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى}قال الفراء: الضمير عائد إلى الأرداف والتقدير: ما جعل الله الأرداف إلا بشرى.وقال الزجاج: ما جعل الله المردفين إلا بشرى، وهذا أولى لأن الأمداد بالملائكة حصل بالبشرى.قال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر في العريش قاعدًا يدعو، وكان أبو بكر قاعدًا عن يمينه ليس معه غيره، فخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه نعسًا، ثم ضرب بيمينه على فخذ أبي بكر وقال: «أبشر بنصر الله ولقد رأيت في منامي جبريل يقدم الخيل» وهذا يدل على أنه لا غرض من إنزالهم إلا حصول هذه البشرى، وذلك ينفي إقدامهم على القتال.ثم قال تعالى: {وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} والمقصود التنبيه على أن الملائكة وإن كانوا قد نزلوا في موافقة المؤمنين، إلا أن الواجب على المؤمن أن لا يعتمد على ذلك بل يجب أن يكون اعتماده على إغاثة الله ونصره وهدايته وكفايته لأجل أن الله هو العزيز الغالب الذي لا يغلب، والقاهر الذي لا يقهر، والحكيم فيما ينزل من النصرة فيضعها في موضعها. اهـ..قال السمرقندي: {وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى}يقول ما أرسل الله من الملائكة إلا للبشارة.وقال بعضهم: إن الملائكة لم يقاتلوا، وإنّما كانوا مبشرين.وروي عن ابن عباس أنه قال: قاتلت الملائكة يوم بدر، ولم يقاتلوا يوم الأحزاب ولا يوم حنين {وَمَا جَعَلَهُ الله}، يعني ليس النصر بقلة العدد ولا بكثرة العدد، ولكن النصرة من عند الله.{إن الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} عزيز بالنقمة، حكيم حكم بالنصرة للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، وللهزيمة للمشركين. اهـ..قال الماوردي: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى} فيه وجهان:أحدهما: أن البشرى هي في مددهم بألف من الملائكة بشروهم بالنصر فكانت هي البشرى التي ذكرها الله تعالى.والثاني: البشرى النصرة التي عملها الله لهم.{وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} فيه وجهان:أحدهما: بالبشرى.والثاني: بالملائكة.واختلفوا في قتال الملائكة معهم على قولين:أحدهما: لم يقاتلوا وإنما نزلوا بالبشرى لتطمئن به قلوبهم، وإلا فملك واحد يهلك جميع المشركين كما أهللك جبريل قوم لوط.الثاني: أن الملائكة قاتلت مع النبي صلى الله عليه وسلم كما روى ابن مسعود أنه سأله أبو جهل: من أين كان يأتينا الضرب ولا نرى الشخص؟ قال: مِن قِبَلِ الْمَلاَئِكَةِ فقال: هم غلبونا لا أنتم.وقوله: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ} لئلا يتوهم أن النصر من قبل الملائكة لا من قبل الله تعالى. اهـ..قال ابن عطية: قوله تعالى: {وما جعله الله} الآية، الضمير في {جعله} عائد على الوعد.قال القاضي أبو محمد: وهذا عندي أمكن الأقوال من جهة المعنى، وقال الزجّاج: الضمير عائد على المدد، ويحتمل أن يعود على الإمداد، وهذا يحسن مع قول من يقول إن الملائكة لم تقاتل وإنما أنست بحضورها مع المسلمين.قال القاضي أبو محمد: وهذا عندي ضعيف ترده الأحاديث الواردة بقتال الملائكة وما رأى من ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كابن مسعود وغيره، ويحتمل أن يعود على الإرداف وهو قول الطبري، وهذا أيضًا يجري مجرى القول الذي قبله ويحتمل أن يعود على الألف وهذا أيضًا كذلك، لأن البشرى بالشيء إنما هي ما لم يقع بعد، والبشرى مصدر من بشرت، والطمأنينة السكون والاستقرار وقوله: {وما النصر إلا من عند الله} توقيف على أن الأمر كله لله وأن تكسب المرء لا يغني إذا لم يساعده القدر وإن كان مطلوبًا بالجد كما ظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين، وهذه القصة كلها من قصة الكفار وغلبة المؤمنين لهم تليق بها من صفات الله عز وجل العزة والحكمة إذا تؤمل ذلك. اهـ..قال الخازن: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى} يعني وما جعل الله الإرداف بالملائكة إلا بشرى {ولتطمئن به قلوبكم} وهذا يحقق أنهم إنما نزلوا لذلك لا للقتال والصحيح هو الأول وأنهم قاتلوا يوم بدر ولم يقاتلوا فيما سواه من الأيام.وقوله تعالى: {وما النصر إلا من عند الله} يعني أن الله هو ينصركم أيها المؤمنون فثقوا بنصره ولا تتكلوا على قوتكم وشدة بأسكم وفيه تنبيه على أن الواجب على العبد المسلم أن لا يتوكل إلا على الله في جميع أحواله ولا يثق بغيره فإن الله تعالى بيده النصر والإعانة {إن الله عزيز} يعني أنه تعالى قوي منيع لا يقهره شيء ولا يغلبه غالب بل هو يقهر كل شيء ويغلبه {حكيم} يعني في تدبيره ونصره ينصر من يشاء ويخذل من يشاء من عباده. اهـ..قال أبو حيان: {وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم}تقدم تفسير نظير هذه الآية والمعنى {إلا بشرى} لكم واثبت في آل عمران لأنّ القصة فيها مسهبة وهنا موجزة فناسب هنا الحذف وهنا قدم وأخر هناك على سبيل التفنن والاتساع في الكلام وهنا جاء {إنّ الله عزيز حكيم} مراعاة لأواخر الآي وهناك ليست آخر آية لتعلق يقطع بما قبله فناسب أن يأتي {العزيز الحكيم} على سبيل الصفة وكلاهما مشعر بالعلية كما تقول أكرم زيدًا العالم وأكرم زبدًا أنه عالم والضمير في وما جعله عائد على الإمداد المنسبك من {أني ممدكم} أو على المدد أو على الوعد الدال عليه يعدكم إحدى الطائفتين أو على الألف أو على الاستجابة أو على الإرداف أو على الخبر بالإمداد أو على جبريل أقوال محتملة مقولة أظهرها الأول ولم يذكر الزمخشري غيره. اهـ..قال أبو السعود: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ}{وَمَا جَعَلَهُ الله} كلامٌ مستأنفٌ سيق لبيان أن الأسبابَ الظاهرةَ بمعزل من التأثير وإنما التأثيُر مختصٌّ به عز وجل ليثق المؤمنون ولا يقنَطوا من النصر عند فُقدانِ أسبابِه، والجعلُ متعدَ إلى مفعول واحد هو الضميرُ العائد إلى مصدر فعلٍ مقدرٍ يقتضيه المقامُ اقتضاءً ظاهرًا مُغنيًا عن التصريح به، كأنه قيل: فأمدكم بهم وما جعل إمدادَكم بهم {إِلاَّ بشرى} وهو استثناءٌ مفرّغٌ من أعم العلل أي وما جعل إمدادَكم بإنزال الملائكة عيانًا لشيء من الأشياء إلا للبشرى لكم بأنكم تنصرون {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ} أي بالإمداد {قُلُوبُكُمْ} وتسكنَ إليه نفوسُكم كما كانت السكينةُ لبني إسرائيلَ كذلك، فكلاهما مفعولٌ له للجعل، وقد نُصب الأولُ لاجتماع شرائطِه وبقي الثاني على حاله لفقدانها، وقيل: للإشارة إلى أصالته في العِلّية وأهميتِه في نفسه كما قيل في قوله تعالى: {والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} وفي قصر الإمدادِ عليهما إشعارٌ بعدم مباشرةِ الملائكةِ للقتال وإنما كان إمدادُهم بتقويه قلوب المباشرين وتكثيرِ سوادِهم ونحوه كما هو رأيُ بعضِ السلف وقيل: الجعلُ متعدَ إلى اثنين ثانيهما إلا بشرى على أنه استثناءٌ من أعم المفاعيل، أي وما جعله الله شيئًا من الأشياء إلا بشارةً لكم فاللام في ولتطمئن متعلقةٌ بمحذوف مؤخر تقديره ولتطمئن به قلوبُكم فعَلَ ذلك لا لشيء آخَرَ {وَمَا النصر} أي حقيقةُ النصر على الإطلاق {إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} أي إلا كائنٌ من عنده عز وجل من غير أن يكون فيه شركةٌ من جهة الأسبابِ والعددِ، وإنما هي مظاهرُ له بطريق جريانِ السنةِ الإلهية {أَنَّ الله عَزِيزٌ} لا يغالَب في حُكمه ولا يُنازَع في أقضيته {حَكِيمٌ} يفعل كلَّ ما يفعل حسبما تقتضيه الحِكمةُ والمصلحةُ، والجملةُ تعليلٌ لما قبلها متضمنٌ للإشعار بأن النصرَ الواقعَ على الوجه المذكورِ من مقتَضَيات الحِكَم البالغةِ. اهـ.
|